بين تقليعة العصر وخطر الإدمان… “الفيب” يجتاح حياة الشباب بين وهم الموضة وواقع التأثيرات الصحية والنفسية

في السنوات الأخيرة، انتشر استخدام أجهزة “الفيب” أو السجائر الإلكترونية بين فئة الشباب والمراهقين بشكل ملحوظ، حتى باتت هذه الظاهرة أشبه بموضة العصر التي تجذب الكثيرين تحت شعارات الحرية والتجديد أو حتى بدعوى أنها أقل ضرراً من التدخين التقليدي. ومع تزايد الإعلانات الترويجية والتصاميم الجذابة والنكهات المتنوعة، أصبح الفيب جزءاً من نمط الحياة اليومية لدى بعض المراهقين، بل وأصبح يُنظر إليه كرمز للانفتاح ومواكبة التطور، دون إدراك حقيقي لمخاطره الصحية والنفسية.

ورغم أن الفيب يُسوَّق غالباً كبديل أكثر أماناً عن السجائر التقليدية، إلا أن الأبحاث الطبية الحديثة تشير إلى أن هذه الأجهزة ليست خالية من الأضرار، بل تحمل في طياتها مخاطر متعددة قد تؤثر على صحة مستخدميها بشكل مباشر أو غير مباشر. فالبخار الناتج عن الفيب يحتوي على مواد كيميائية ونكهات صناعية وجرعات من النيكوتين، وهو ما قد يؤدي مع الوقت إلى الإدمان، خاصة لدى الفئات العمرية الصغيرة التي لا تزال في طور النمو الجسدي والعقلي.

ومن أخطر ما في هذه الظاهرة أن الفيب أصبح وسيلة سهلة لدخول عالم التدخين والإدمان، حيث يبدأ كثير من الشباب بتجربته بدافع الفضول أو لتقليد الأصدقاء، ثم يجدون أنفسهم مع الوقت غير قادرين على الاستغناء عنه. كما أن بعض الدراسات تشير إلى أن تعاطي النيكوتين في سن مبكرة قد يؤثر سلباً على تطور الدماغ، ويزيد من احتمالية الإصابة باضطرابات القلق والاكتئاب، فضلاً عن التأثيرات الجسدية مثل مشاكل الجهاز التنفسي وضعف المناعة.

ولا تقتصر أبعاد المشكلة على الجانب الصحي فقط، بل تمتد إلى الجانب الاجتماعي والنفسي، إذ قد يؤدي انتشار الفيب بين المراهقين إلى خلق ضغوط اجتماعية تدفع البعض لاستخدامه حتى وإن لم يكن لديهم رغبة حقيقية، فقط من أجل الاندماج أو الشعور بالقبول بين الأصدقاء. كما أن الاعتماد على الفيب كوسيلة للهروب من التوتر أو الضغوط الحياتية قد يرسخ أنماط سلوك إدمانية يصعب التخلص منها لاحقاً.

وفي ظل هذه المعطيات، تبرز الحاجة الملحة إلى تكثيف حملات التوعية بين الشباب وأولياء الأمور حول المخاطر الحقيقية للفيب، بعيداً عن الصورة الوردية التي تروج لها بعض الشركات. كما يجب على المدارس والمجتمع تعزيز ثقافة الوعي الصحي وتشجيع الحوار المفتوح مع الأبناء حول هذه الظواهر، وتقديم بدائل صحية تساعدهم على مواجهة ضغوط الحياة دون اللجوء إلى عادات قد تضر بمستقبلهم.

في النهاية، يبقى “الفيب” بين تقليعة العصر وخطر الإدمان، ويظل الخيار بيد الشباب وأسرهم في اتخاذ القرار الصائب، فالموضة قد تكون عابرة، لكن الصحة هي رأس المال الحقيقي الذي لا يعوض. لذا، من المهم أن نتعامل مع هذه الظاهرة بوعي ومسؤولية، وأن نضع مصلحة أبنائنا وسلامتهم فوق كل اعتبار.