وداع موجع: الفنانون ينعون زياد الرحباني بقلوب دامية وكلمات مؤثرة بعد أن خطف الموت ثاني أبناء السيدة فيروز

خيم الحزن الثقيل على الوسط الفني العربي بأكمله عقب إعلان خبر وفاة الموسيقار الكبير زياد الرحباني، الابن الثاني الذي تفقده السيدة فيروز بعد سنوات من فقدانها لابنتها ليال، لتعيش الأم الأسطورة اليوم ألم الفقد مجددًا، وهذه المرة برحيل ابنها الأقرب فنيًا وروحيًا، رفيق رحلتها الإبداعية الطويلة، وصوتها المختلف، وعقلها الموسيقي الذي لا يُعوض.

نجوم الفن والغناء والمسرح لم يتمالكوا أنفسهم أمام هول الفاجعة، فانهمرت مشاعرهم في كلمات ناعية، ومشاركات حزينة، واستعارات شعرية تفيض وجعًا، عبّروا فيها عن مدى تأثير زياد فيهم كأصدقاء أو كزملاء أو حتى كمستمعين ومحبين. بعضهم كتب بدموع صامتة، وبعضهم نطق بكلمات تقطر ألماً، وبين السطور كان الحزن مشتركًا، والذهول سيّد اللحظة.

عبارة “تركت الحب وأخذت الأسى.. والله يصبر أمك” لم تكن مجرّد جملة عابرة، بل تحولت إلى صرخة اختزلت كل ما يمكن قوله في وداع فنان لا يشبه غيره. تلك الكلمات التي تداولها النجوم كانت أقرب إلى أنين أمٍّ محطّمة، ورسالة وداع مليئة بالحسرة والألم، رددها الجميع وهم يسترجعون سيرة رجل عاش عمره في تقاطع دائم بين الحب والحزن، بين الإبداع والخذلان، بين الحلم والخيبة.

الفنانون لم يتوقفوا عند رثاء شخص، بل وقفوا أمام تجربة فنية وإنسانية متفردة، زياد الذي حطم الجدران بين المسرح والواقع، بين النغمة والسياسة، بين الكلمة والموقف، صار اليوم رمزًا ليس فقط للجرأة الموسيقية، بل للأمانة الشعورية التي لم يساوم عليها حتى اللحظة الأخيرة. فكم من مسرحية شيدها فوق الألم، وكم من لحن صاغه من نزف القلب، وكم من كلمة قالها لتوقظ ضميرًا أو تكشف عن زيف!

الوجوه الباكية على رحيله تنوعت ما بين الجيل القديم الذي واكب بداياته ورافق تطوراته، والجيل الجديد الذي تربى على موسيقاه واكتشف من خلالها أن الفن يمكن أن يكون موقفًا، لا مجرد ترف أو زينة. كلماته الساخرة كانت شفرات تُفكك المجتمع، وألحانه كانت كفيلة بخلخلة الوجدان، وها هو اليوم، في غيابه، يحرك تلك المشاعر ذاتها التي طالما خاطبها في حضوره.

ووسط هذا الحزن الفني الجارف، تبقى فيروز هي الأيقونة الجريحة التي تختبر وجع الأمومة مرة أخرى، في صمت نبيل لا يُجيد سوى الحزن العميق. فبين دفاتر النوتة القديمة، ومسودات الأغاني التي جمعت بين صوتها وحنجرته الموسيقية، وبين جدران الذكريات التي لم تندمل بعد، يرحل زياد تاركًا فراغًا لا يُملأ، لا في قلبها، ولا في قلوب كل من سمعه مرة وأحب صوته المختلف الذي خرج من رحم فيروز، لكنه مشى في طريقه وحده، واستقل بفكره وموسيقاه.

وهكذا، يُطوى فصل من أعظم الفصول الفنية العربية، بفقدان أحد رموزها المتمردين. ويبقى صدى فنه حاضرًا، يهمس في وجدان محبيه، بأن زياد لم يرحل، بل أصبح نغمة خالدة تسكن فينا إلى الأبد.