ضجّ الوسط الفني العربي بنبأ صادم ومؤلم، تمثل في وفاة الموسيقار الكبير زياد الرحباني، الابن الوحيد للسيدة فيروز الذي رافقها في مسيرتها الفنية لعقود طويلة، وكان بمثابة الشريك الفني والعقلي والوجداني الذي نسج ألحانًا استثنائية حملت بصمته الفريدة، وجعلته أحد أكثر الموسيقيين تأثيرًا في العالم العربي.
الخبر وقع كالصاعقة على جمهور زياد الرحباني وعلى محبي والدته الأسطورة فيروز، فالرحيل لم يكن مجرد فقدان لمبدع فني، بل كان انهيارًا لركيزة مهمة من أعمدة الموسيقى العربية المعاصرة. ووسط ذهول عام، بدأ محبوه وزملاؤه في النعي والتعبير عن ألمهم بكلمات تختلط فيها الحسرة بالإجلال، والدموع بالفخر لما قدّمه الراحل من إرث موسيقي فريد.
زياد لم يكن مجرد فنان عادي، بل ظاهرة موسيقية وإنسانية متكاملة، عبّر عن قضايا المجتمع بأسلوب ساخر ولاذع، ولامس بصدق مشاعر الناس، ورفض التماهي مع الأطر التقليدية للفن. ترك أثرًا لا يُمحى في كل من تعامل معه أو استمع إلى ألحانه ومسرحياته وأغانيه، التي جسّدت نبض الشارع العربي، وجعلت من الفن رسالة نضال ومرآة للواقع.
كان زياد بمثابة جسر بين الأصالة والتجديد، استلهم من إرث الرحابنة ووسّعه بلغة فنية جريئة ومواقف واضحة، فلم يتردد يومًا في التعبير عن آرائه مهما كانت صادمة أو غير مألوفة. وهكذا بقي صوته مختلفًا، كلماته مستفزة للعقول، وألحانه متغلغلة في الوجدان.
وفاته تترك جرحًا عميقًا في قلب والدته، أيقونة الغناء السيدة فيروز، التي عاشت معه لحظات المجد والوجع، وشهدت تحولات شخصيته ومسيرته الإبداعية بكل ما فيها من صعود وتحديات وصراعات داخلية وخارجية. وبرحيله، تطوي فيروز صفحة من عمرها، وتخسر أقرب من فهم موسيقاها وتحدث لغتها بلغة الروح والنغمة.
الوسط الفني بكل ألوانه يقف اليوم في وداع أحد أهم المبدعين الذين رسموا صورة أخرى للفن العربي، صورة أكثر صدقًا، وجرأة، وواقعية. وفي كل زاوية من مسرح، أو مقطع من أغنية، أو جملة موسيقية رافقتنا في الحزن والفرح، سيظل اسم زياد الرحباني محفورًا، لأنه لم يكن مجرد ملحن أو شاعر أو عازف، بل كان روحًا فنية متمردة، تركت خلفها لغة موسيقية ناطقة بالحقيقة، وباقية رغم الغياب.