زياد الرحباني يُوارى الثرى وسط الزغاريد والتكريم الوطني بحضور والدته فيروز ونجوم الفن.. ولبنان يودّع أحد أبرز رموزه الثقافية بمنحه وسام الأرز بعد رحيله

في لحظة مؤثرة اختلطت فيها الدموع بالزغاريد، ودّع لبنان الفنان الكبير والمبدع المتفرد زياد الرحباني، الذي رحل عن عالمنا بعد مسيرة فنية غنية ومتفردة تركت بصمة لا تُنسى في الوجدان العربي. وقد شيّع جثمانه إلى مثواه الأخير وسط مشهد مهيب شارك فيه عدد كبير من محبيه وزملائه من نجوم الفن والمجتمع، وفي حضور خاص ومؤثر لوالدته، الأيقونة الفنية الكبيرة فيروز، التي وقفت بين المشيعين بصمت يعبّر عن ألم الفقد وعمق الحزن الذي لفّ البلاد كلها.

وقد شهدت مراسم التشييع حضوراً كثيفاً من الفنانين والمثقفين والإعلاميين، الذين حرصوا على إلقاء نظرة الوداع الأخيرة على الفنان الذي شكّل برؤيته الموسيقية والفكرية حالة استثنائية في تاريخ الفن العربي الحديث. وجاءت لحظات الوداع محمّلة بالمشاعر المتضاربة، حيث صدحت الزغاريد في الخلفية، كما جرت العادة في بعض مناطق لبنان لتوديع الراحلين الكبار، بينما ساد الصمت والانكسار وجوه الحاضرين، الذين وقفوا إجلالاً لهذا الاسم الذي شكّل جسراً بين الموسيقى والفكر، بين الحنين والتمرّد، وبين التراث والتجديد.

ولم تكتفِ الدولة اللبنانية بوداعه بالكلمات، بل قامت بمنحه وسام الأرز الوطني من رتبة كوماندور بعد وفاته، في تكريم رمزي يحمل دلالات عميقة، ويعبّر عن مكانته في قلوب اللبنانيين وتاريخه الذي لا يُنسى في تشكيل الوعي الثقافي والموسيقي للمنطقة. هذا الوسام الوطني يُعد من أرفع أوسمة الشرف، ويُمنح لمن قدّموا خدمات استثنائية للوطن، وهو ما يُجسّد تقديراً رسمياً وشعبياً لمكانة زياد كرمز ثقافي وإنساني فريد.

رحيل زياد الرحباني لا يعني فقط غياب فنان، بل يعني نهاية فصل من الإبداع غير التقليدي الذي لطالما مزج الكلمة الجريئة بالموسيقى الراقية، والنقد اللاذع بالمواقف الإنسانية. لقد كان صوتاً حراً، لم يُشبه أحداً، وترك إرثاً فنياً سيظل حيّاً في الذاكرة، تتناقله الأجيال، وتستلهم منه القوة، والبصيرة، والشغف بالفن الصادق.

هكذا، طُويت صفحة من صفحات الإبداع اللبناني، ولكن صدى زياد سيبقى يملأ المسارح والأغاني والمقاهي والذاكرة الجمعية، تماماً كما عاش: مختلفاً، صادقاً، لا يُشبه إلا نفسه.