في عيد ميلاده الخامس والخمسين.. كريستوفر نولان بين عبقرية الإخراج ودهاء هوليوود التسويقي

يحتفل المخرج البريطاني الشهير كريستوفر نولان بعامه الخامس والخمسين، في ظل جدل لا يخفت حول مكانته الفنية وتأثيره في صناعة السينما الحديثة. فرغم الإجماع شبه الكامل على موهبته الإخراجية الخارجة عن المألوف، يظل البعض يتساءل: هل نولان عبقري سينمائي حقيقي، أم أنه نتاج لحملة تسويقية ذكية صنعت منه رمزاً جماهيرياً تفوق شهرته جودة أفلامه؟

كريستوفر نولان، الذي صعد نجمه بسرعة في مطلع الألفية، أصبح علامة بارزة في هوليوود بفضل أسلوبه السردي المعقد، وولعه بالزمن كعنصر درامي، وقدرته على تقديم أفلام توازن بين العمق الفلسفي والإثارة البصرية. من أعماله الأولى مثل “Memento”، مروراً بثلاثية “The Dark Knight” التي أعادت تعريف أفلام الأبطال الخارقين، وصولاً إلى تحفته “Inception” التي جعلت المشاهدين يشكّون في الواقع، لم يكن نولان مخرجاً عادياً. بل استطاع فرض رؤيته الخاصة دون أن يتنازل عن النجاح التجاري، وهو أمر نادر في هوليوود.

لكنّ بعض النقاد لا ينظرون إليه بنفس الإعجاب، إذ يرون أن أفلامه غالباً ما تُقدَّم على أنها أكثر عمقاً مما هي عليه فعلاً، وأن هوليوود روّجت له كمخرج نخبوي لتلبية حاجة السوق إلى “سينما ذكية” دون أن تكون كذلك دائماً. ويستشهد هؤلاء بأعمال مثل “Tenet” التي قوبلت بردود فعل متباينة، معتبرين أنها مثال على فخ التعقيد الزائف.

ومع ذلك، لا يمكن إنكار أن نولان يمتلك أدوات سينمائية مميزة تجعله حالة خاصة في عالم الإخراج، خصوصاً في طريقة تعامله مع الزمن والذاكرة والواقع، إضافة إلى اهتمامه بالتفاصيل البصرية والصوتية. كما أنه من المخرجين القلائل الذين يصرّون على استخدام التصوير الفيلمي بدلاً من الرقمي، وعلى تجنب المؤثرات البصرية قدر الإمكان لصالح الخدع الواقعية.

في النهاية، سواء كنت تعتبره عبقرياً حقيقياً أو محظوظاً بحملة دعائية هائلة، فإن كريستوفر نولان استطاع أن يترك بصمة لا تُنسى في تاريخ السينما الحديثة، وأن يبني جسراً نادراً بين السينما الجماهيرية وسينما التفكير. وفي عيد ميلاده الخامس والخمسين، يبقى السؤال مفتوحاً: هل نحن أمام فنان يغيّر شكل الفن السابع، أم أمام واجهة براقة لصناعة تعرف جيداً كيف تصنع الأساطير؟