في عالم تتداخل فيه الحكايات وتتسارع فيه الأحداث، تبرز الفنانة الفلسطينية أرين حسن كصانعة رؤية فنية فريدة تعيد تعريف فن النسيج من مجرد حرفة تقليدية إلى فلسفة بصرية وروحية تعبر عن الهوية والذاكرة الفلسطينية. تستخدم أرين الخيط والقماش كأدوات تعبيرية تحمل في طياتها قصصًا عميقة عن الأرض، التاريخ، والانتماء، فتتحول الغرزة الواحدة إلى رمز يحمل معانٍ تتجاوز الشكل لتصل إلى جوهر الإنسان وتجربته.
تؤمن أرين بأن النسيج ليس مجرد مادة جامدة، بل كائن حي يتنفس ويتغير مع الضوء والحركة، وهو بذلك يصبح وسيلة لإعادة سرد الحاضر من منظور الذاكرة، حيث تتشابك الخيوط وتتداخل لتشكل سردًا بصريًا وروحيًا يعكس التراث الفلسطيني بكل تفاصيله. تقول أرين إن التطريز الفلسطيني التقليدي ليس مجرد زخرفة، بل لغة الأمهات التي تحمل قصص البقاء والمقاومة والانتماء، وهي لغة تتحدث بها عبر أعمالها لتعيد إحياء هذا التراث في سياق معاصر.
تتجاوز أعمال أرين حدود الزمان والمكان، حيث تستلهم من الثقافة العربية والإسلامية لتعيد تخيلها بطريقة حديثة تدمج بين الجماليات التقليدية والابتكار الفني، فتخلق حالة روحية تتجاوز الحواس وتدعو المتلقي إلى رحلة تأملية داخلية. من خلال تقنيات مثل التفكيك الشفاف للنسيج، تمنح أرين القماش أبعادًا جديدة، حيث يتحول من غطاء إلى لغة وجودية تعبر عن التحول والتغير.
تتنقل أرين بين مدن العالم المختلفة، من لندن إلى ستوكهولم وإسطنبول وبيروت، حاملة معها خيوط فلسطين التي تعيد نسجها برؤية متجددة، مستفيدة من التنوع الثقافي لتؤكد أن فن النسيج هو لغة عالمية توحد البشر رغم اختلاف خلفياتهم. مشاريعها الفنية الحالية تشمل مجموعة من السجاد الفني الروحي الذي يدمج بين الرموز الهندسية والخط العربي والماء كرمز روحي، ليخلق تجربة بصرية وروحية متكاملة.
من بين أعمالها البارزة، يبرز فستان “Urban Jerusalem” الذي يمثل فلسطين على هيئة قماش، حيث يجمع بين الطباعة والتفكيك والتطريز اليدوي ليعيد تفسير التطريز الشامي كوسيلة تعبير معاصرة تحمل رسالة الحنين والانتماء. هذا الفستان الذي عُرض في عدة دول ومعارض فنية، يعكس قدرة أرين على تحويل التراث إلى بيان بصري معاصر يتحدث بلغة يفهمها الجميع.
بهذا الأسلوب، تؤكد أرين حسن أن النسيج ليس مجرد فن، بل هو أداة للرؤية والذاكرة، وسرد حي لتاريخ وهوية شعب، حيث تتحول الخيوط إلى قصائد تروي حكايات الأرض والإنسان، وتفتح نوافذ على عالم من الجمال والروحانية التي تتجاوز حدود المادة لتصل إلى جوهر الوجود.