في إطار جهود الحفاظ على التراث الثقافي والفني السعودي، افتُتح مؤخراً في قلب جدة التاريخية معرض “أظهرت ما كان غاباً” الذي يحتفي بإرث الفنانة التشكيلية الراحلة صفية بن زقر، إحدى أبرز رائدات الفن التشكيلي في المملكة العربية السعودية والعالم العربي. ويأتي المعرض في بيت البن زقر التاريخي، الذي يعد من أبرز المعالم التراثية في جدة، ليشكل منصة فنية وثقافية تسلط الضوء على مسيرة فنية حافلة بالعطاء والتوثيق البصري للتراث السعودي.
ويضم المعرض مجموعة واسعة من الأعمال الفنية التي أنتجتها صفية بن زقر على مدار عقود من الزمن، حيث تميزت أعمالها بتوثيق الحياة اليومية والتقاليد الاجتماعية في منطقة الحجاز، مع التركيز على تفاصيل الأزياء التقليدية، والمناسبات الاجتماعية، والحرف اليدوية، والمشاهد العمرانية القديمة. وتعكس لوحاتها رؤية فنية فريدة تربط بين الماضي والحاضر، وتبرز جماليات التراث السعودي من خلال ألوانها الزاهية وتفاصيلها الدقيقة.
إلى جانب اللوحات، يعرض المعرض مقتنيات شخصية للفنانة، تشمل أدوات الرسم، والرسائل، والصور الأرشيفية، التي تقدم للزوار لمحة عن حياة الفنانة ومسيرتها المهنية. كما يتضمن المعرض عروضاً وثائقية قصيرة تسرد قصة حياتها الفنية، وتبرز تأثيرها الكبير على الساحة الفنية السعودية، ودورها في تأسيس متحف خاص بها يُعد الأول من نوعه في المملكة.
ويأتي تنظيم هذا المعرض في وقت تشهد فيه المملكة اهتماماً متزايداً بالحفاظ على التراث الثقافي والفني، ضمن رؤية 2030 التي تركز على تعزيز الهوية الوطنية ودعم الفنون. ويعتبر المعرض فرصة للأجيال الجديدة للتعرف على فنانة كانت صوتاً بصرياً لتاريخ المجتمع السعودي، خصوصاً في فترة شهدت تحولات اجتماعية وثقافية كبيرة.
وقد لاقى المعرض إقبالاً واسعاً من الزوار من مختلف الفئات، حيث عبر كثيرون عن إعجابهم بقدرة صفية بن زقر على نقل تفاصيل الحياة القديمة بأسلوب فني راقٍ، مؤكدين أن المعرض “أظهر ما كان غاباً” بالفعل، من خلال إحياء ذاكرة المجتمع السعودي بصور وتقاليد كادت أن تنسى. كما شهد المعرض حضور شخصيات ثقافية وفنية بارزة، أكدت على أهمية مثل هذه المبادرات في تعزيز الوعي بالتراث ودعم المشهد الثقافي المحلي.
وتجدر الإشارة إلى أن الفنانة صفية بن زقر، التي رحلت عام 2024، كانت من أوائل التشكيليات السعوديات، وأسست متحفها الخاص الذي يضم مجموعات فنية وتراثية مهمة، وأسهمت بشكل كبير في توثيق التراث السعودي عبر فنها وأبحاثها. ويعتبر هذا المعرض تكريماً لجهودها وإرثها الفني والثقافي الذي تركته خلفها، ومساهمة في الحفاظ على الذاكرة الوطنية من خلال الفن.
في الختام، يبرز معرض “أظهرت ما كان غاباً” كواحد من أبرز الفعاليات الثقافية التي تعزز من مكانة جدة التاريخية كمركز للتراث والفنون، ويؤكد على الدور الحيوي للفن في حفظ الهوية الوطنية ونقل القيم والتقاليد عبر الأجيال.