في ذكرى ميلادها.. وردة الجزائرية تُبعث من جديد بأغانيها الخالدة التي ما زالت تتردد على المسارح وتلهب مشاعر الجماهير رغم غيابها

تمر ذكرى ميلاد الفنانة الكبيرة وردة الجزائرية، لكنها ليست ذكرى عادية في قلوب محبي الطرب العربي الأصيل، بل هي مناسبة تعود فيها روحها إلى الحياة من خلال صوتها العذب وأغانيها التي لا تزال تتردد على ألسنة كبار الفنانين وتُشعل المسارح بالحضور والهيبة التي طالما تميزت بها. فرغم رحيلها عن عالمنا منذ سنوات، إلا أن إرثها الفني لا يزال حيًا ينبض في وجدان الملايين، ويُعاد تقديمه على خشبات المسارح وكأنها لا تزال تقف هناك، تغني بكبرياء الفنانة الأصيلة وتغمر الحضور بصوتها الآسر.

وردة الجزائرية لم تكن مجرد مطربة، بل كانت حالة فنية متكاملة، استطاعت أن تزرع أغانيها في ذاكرة الشعوب العربية من المحيط إلى الخليج، وأن توصل مشاعر الحب والحنين والفرح والوجع بصوتها الدافئ العميق. ومن أبرز ما ميزها أنها لم تكن تقدم مجرد أغانٍ، بل قصصًا موسيقية حية مفعمة بالإحساس والتفاصيل، ما جعلها تتخطى الزمن وتعيش في كل عصر. ولذلك لا يُستغرب أن نجد اليوم فنانين وفنانات من مختلف الأجيال يعيدون غناء روائعها في حفلاتهم الكبرى، إما تكريمًا لها أو لأن هذه الأغاني لا تزال قادرة على لمس القلوب بنفس القوة التي كانت تفعلها في حضورها.

أغنيات مثل “بتونس بيك”، “أوقاتي بتحلو”، و”العيون السود” أصبحت من كلاسيكيات الطرب التي لا تغيب عن حفلات الطرب العربي، وغالبًا ما تُختار لتكون مسك الختام في أمسيات موسيقية ضخمة، حيث يتسابق المطربون والمطربات على أداء هذه الروائع بأساليبهم الخاصة، إلا أن الجمهور يظل يبحث في أدائهم عن لمحة من إحساس وردة وروحها.

ويُلاحظ أنه في كل ذكرى لميلادها، تُطلق وسائل الإعلام حملات تكريم، وتُنشر مقاطع نادرة من حفلاتها ومقابلاتها، ويُعاد بث أغنياتها عبر المحطات الإذاعية والتلفزيونية، كما يتجدد الحديث عنها في البرامج الثقافية والفنية التي تسلط الضوء على مسيرتها الحافلة بالإنجازات والتحديات. فقد كانت وردة من القلائل الذين حافظوا على هوية الفن العربي الأصيل، ووقفت شامخة وسط تغيرات فنية كثيرة شهدتها الساحة.

إن ما يميز وردة الجزائرية ليس فقط صوتها وإحساسها، بل أيضًا قدرتها على تجديد نفسها باستمرار والتعاون مع كبار الملحنين والشعراء، ما منح أغنياتها ثراءً موسيقيًا وشعريًا لا يزال يُدرس حتى اليوم. لذلك فإن إرثها لا يُستعاد فقط من باب الحنين، بل يُقدَّم كمرجع يُستلهم منه في العصر الحديث.

في ذكرى ميلادها، لا نملك سوى أن ننحني احترامًا أمام مسيرة فنية استثنائية، وأن نحتفل بها من خلال أصوات الفنانين الذين ما زالوا يرددون أغانيها، ويمنحونها حياة جديدة مع كل أداء. فرغم أن الجسد قد رحل، فإن وردة ما زالت حاضرة، تزهر في كل مسرح، وتُغني من جديد في قلوب كل من أحب صوتها.