شهدت الدراما الخليجية في السنوات الأخيرة تحوّلاً ملحوظاً نحو الاعتماد على الروايات الأدبية كمصدر رئيسي للإلهام، مما أسهم في تقديم أعمال درامية غنية بالعمق والواقعية، تلامس قضايا وهموم الناس وتعكس تجاربهم الحياتية والاجتماعية. من بين أبرز هذه الأعمال مسلسل “ساق البامبو” الذي استند إلى رواية الروائي الكويتي سعود السنعوسي الحائزة على جائزة البوكر العالمية عام 2013، حيث تناولت الرواية قصة عيسى الطاروف، ابن خادمة فلبينية ورجل كويتي، وتطرقت إلى قضايا الهوية والشتات بين ثقافتين مختلفتين، مع خلفيات سياسية واجتماعية معقدة. وقد نجح المسلسل في نقل هذه القصة إلى الشاشة بطريقة مؤثرة، مستقطباً جمهوراً واسعاً بفضل أدائه المتميز وتمثيله لواقع معاصر.
وفي سياق متصل، حقق مسلسل “شارع الأعشى” نجاحاً لافتاً خلال رمضان الماضي، مستنداً إلى رواية “غراميات شارع الأعشى” للكاتبة بدرية البشر، التي جسدت من خلالها حياة ثلاث فتيات في حارة شعبية بالرياض خلال السبعينيات، مع التركيز على صراعاتهن في مجتمع محافظ ورغبتهن في البحث عن الحرية. وقد تميز المسلسل بإعادة خلق تفاصيل تلك الحقبة الزمنية بدقة، من التكنولوجيا البسيطة مثل الراديو والتلفزيون الملون إلى نمط الحياة الاجتماعية، مما أضفى على العمل بعداً تاريخياً وإنسانياً جذاباً.
أما مسلسل “وطن عمري”، فهو مثال آخر على الأعمال الدرامية التي اقتبست من الأدب، حيث استند إلى رواية “فالنتين” للكاتبة مريم الزعبي، وناقش قصة حب تواجه تحديات اجتماعية وعائلية معقدة، مما أتاح للمشاهدين فرصة التعاطف مع شخصيات العمل وفهم أبعادها النفسية والاجتماعية. وقد ساهم هذا النوع من الأعمال في تعزيز حضور الدراما الخليجية على الساحة الفنية، وجذب اهتمام جمهور أوسع يبحث عن محتوى يعكس واقعهم وتطلعاتهم.
هذا التوجه نحو اقتباس الروايات الأدبية لم يقتصر على الخليج فقط، بل شهدته الدراما العربية بشكل عام، حيث تحولت العديد من الروايات إلى أعمال تلفزيونية ناجحة في مصر وسوريا ودول أخرى، مما يعكس رغبة المخرجين والمنتجين في تقديم أعمال ذات جودة فنية عالية وشخصيات معقدة وقصص مؤثرة. ومن الأمثلة على ذلك مسلسلات مثل “نسيت كلمة السر” و”مذكرات زوج” و”عندما تشيخ الذئاب”، التي استندت إلى نصوص أدبية عميقة، وأضفت على الدراما بعداً ثقافياً وإنسانياً.
ويُعزى هذا النجاح إلى قدرة الروايات على تقديم قصص متماسكة وشخصيات متعددة الأبعاد، مما يسهل على صناع الدراما تحويلها إلى أعمال تلفزيونية ذات تأثير قوي، قادرة على جذب المشاهدين ومخاطبة قضاياهم بشكل مباشر. كما أن النص الأدبي يوفر قاعدة صلبة للسيناريو، مما يرفع من مستوى العمل الفني ويضمن استمرارية جاذبيته.
في النهاية، يمكن القول إن العلاقة بين الأدب والدراما هي علاقة تكاملية أثمرت عن أعمال فنية متميزة، جعلت من الرواية مصدر إلهام لا غنى عنه لصناع الدراما الخليجية والعربية، وأسهمت في تقديم محتوى فني يعكس نبض المجتمع ويطرح قضايا إنسانية واجتماعية بطرق مبتكرة وجذابة، مما يعزز من مكانة الدراما كوسيلة فعالة للتعبير الثقافي والاجتماعي.