قصة الحب التي ألهمت “ع هدير البوسطة”: المصرية التي أسرَت قلب زياد الرحباني وخلّدت مشاعره في أغنية فيروز الخالدة

وراء كل عمل فني خالد قصة لا يعرفها كثيرون، وغالبًا ما تكون تلك القصص مشحونة بالمشاعر الصادقة التي تحوّلت بصمت إلى كلمات وألحان تمسّ القلوب دون أن تشرح أسبابها. من بين هذه الأعمال التي لا تزال تحتفظ بوهجها منذ سنوات طويلة، تبرز أغنية “ع هدير البوسطة” التي غنّتها السيدة فيروز بصوتها الدافئ، ولحّنها زياد الرحباني بروحه المتمرّدة، وكتبها بقلب عاشق.

لكن ما لا يعرفه الكثيرون أن وراء هذه الأغنية قصة حب عميقة وحقيقية جمعت زياد الرحباني بامرأة مصرية تدعى رندا، كانت مختلفة عن كل النساء اللواتي عرفهن، وقد تركت في قلبه أثراً عميقًا انعكس على موسيقاه وكتاباته، وربما شكّل مرحلة فارقة في حياته الفنية والشخصية.

رندا كانت فتاة مصرية بسيطة، لكنها امتلكت روحًا نادرة وذكاءً حادًا وشخصية آسرة، جعلت زياد، المعروف بحدّته وانتقاده للمجتمع، يقع في حبها من النظرة الأولى. لم تكن العلاقة بينهما عابرة، بل شكّلت تجربة وجدانية كاملة حملت في طياتها تفاصيل الحب والانجذاب والتوتر والخوف، وكل ما يمكن أن يمر به عاشقان ينتميان لعالمين مختلفين.

زياد الذي وُلد في بيت يفيض بالموسيقى والسياسة والثقافة، وجد في هذه الفتاة ما لم يجده في محيطه المعتاد. كانت متحررة فكريًا، تنتمي لبيئة مصرية شعبية لكن بثقافة واسعة جعلتها قادرة على فهم أعماقه ومزاجه المعقّد، بل ومواجهة أفكاره أحيانًا. لم يكن من السهل عليه أن ينجذب بهذا الشكل، لكن شيئًا ما فيها حطّم حواجزه.

رحلة حبهما لم تدم طويلًا، لكنها كانت كافية لتوقظ في زياد إحساسًا نادرًا لم يجرؤ على التعبير عنه بالكلام المباشر. فاختار أن يكتب عنها، وعن اللحظة التي جمعت بينهما في “هدير البوسطة”، في طريق مزدحم بالناس، لكنه كان يشعر أنه وحده معها، وكأن العالم كله اختزل في تلك الرحلة. فكتب الأغنية، وجعل صوت فيروز يحكي حكايته، دون أن يكشف عن هوية البطلة، إلا بعد سنوات طويلة، حين تكشفت الخيوط عن اسم “رندا” المصرية.

“ع هدير البوسطة” ليست مجرد قصة عن رحلة في حافلة، بل هي اختصار لحالة حب هادئ وعميق، لم تُعلن بصوت عالٍ، ولم تُتوّج بنهاية تقليدية، لكنها بقيت حاضرة في وجدان صاحبها وفي أذن كل من يسمع الأغنية، ويشعر بشيء غامض يتحرك في داخله مع كل نغمة.

وربما هذه هي عظمة الفن، حين يتحوّل الوجع والاشتياق إلى لحن خالد، وحين تُخلّد مشاعر إنسانية خاصة بأغنية يعرفها الملايين، دون أن يدركوا كم من الحنين والصدق تسرّب إليها من قلب عاشق كُسر بصمت. ورندا، المصرية التي لم تظهر يومًا في العلن، تبقى شاهدة خفية على واحدة من أجمل لحظات الحب التي عبرت في حياة زياد الرحباني، وتركتنا جميعًا نرددها ونحن لا نعرف أننا نحمل معها قصة حقيقية لم تُكتب للنهاية، بل للذكرى فقط.